مرحباً بكم في مدونة نيافة الحبر الجليل الأنبا مرقس أسقف شبرا الخيمة وتوابعها وهى تشمل عظاته ومحاضراته التي يلقيها على طلبة الكلية الإكليريكية وصوره وأعماله في الإيبارشية وموضوعات أخرى

الثلاثاء، 23 مارس 2010

سعى اللة لخلاصنا




قد يفقد الإنسان رجاءه في الخلاص ، لأن أعداءه قد اعتزوا أكثر منه ، ولا قدرة له علي مقاومتهم ، سواء في ذلك أكانوا أعداءه الروحيين ، أو مضايقيه في هذا العالم . وهو خلال ذلك يصرخ " إن الغرباء قد قاموا علي ، والأقوياء طلبوا نفسي ، ولم يسبقوا أن يجعلوا الله أمامهم "( مز 53 ) " ضاع المهرب مني ، وليس من يسأل عن نفسي " ( مز 141 ) . أو قد يفقد خاطئ رجاءه في التوبة ، لأنه لا يقدر علي الوصول إليها ، أو بالأكثر لا يريدها ..! ولكننا نقول لكل واحد من هؤلاء و أمثالهم :

لا تفقد رجاءك . فإن الله يهتم بخلاصك أكثر مما تهتم أنت بل هو الذي يسعي لخلاصك . وهذا هو اسلوب الله منذ البدء بدأ قصة الخلاص منذ أيام أبوينا الأولين آدم وحواء . لقد سقط الاثنان في الخطية ، واستحقا حكم الموت . وكان الخلاص لازماً لهما جداً . ومع ذلك نري أن الله نفسه هو الذي سعي لكي يخلصهما ...

لا آدم طلب الخلاص . ولا حواء ، بل هربا كلاهما من وجه الله ، واختفيا خلف الأشجار ..!
ما كان الهروب وسيلة عمليه تؤدي إلي الخلاص . ولكن الخلاص لم يكن يشغلهما في ذلك الحين . وكل ما كان يشغلهما هو الخوف و الخجل . ما سمعنا قط أن آدم قال لله : يارب اغفر ، يارب سامح . أخطأت إليك ، فامح ذنبي . ولا حواء قالت شيئاً من هذا . ولعل هذه الألفاظ لم تكن في قاموسهما الروحي في ذلك الحين .

.. وفيما هما لا يبحثان عن خلاص نفسيهما ، كان الله يبحث عنهما ..كان ينادي في الجنه " يا آدم ، أين أنت ؟" ( تك 3 : 9 ) . كان الله هو الذي يفتش عن آدم وحواء ، وهو الذي يفتح الموضوع ، ويستدرجهما إلي الكلام ويشرح لهما ما وقعاً فيه من خطأ ، وما يستحقانه من عقوبة . ثم يقدم لهما أول وعد بالخلاص ، وهو أن نسل المرأة سوف يسحق رأس الحية ( تك 3 : 15 ) .
صدقوني ، لو أن الله ترك الإنسان إلي حريته وحده ، أو إلي قدرته وحدة. ما خلص أحد علي الاطلاق

ولكن الله هو الذي يسعى وراء خلاص الكل ..
. كما أعطانا مثلاً عن سعيه وراء الخروف الضال ، ووراء الدرهم المفقود ( لو 15 ) .
كان الخروف سائرً في ضلاله ، لا يدري أين هو ، وربما لا يدري ما هو فيه وفيما هو كذلك كان الراعي الصالح مهتماً بخلاصه . الراعي هو الذي اكتشف ضياع هذا الخروف

، وهو الذي بحث عنه وفتش ، وجرى وراءه في الجبال والوديان إلي أن وجده . لعلها كانت مفاجأة له ، حينما وجد راعيه أمامه ، يأخذه في حنان ، ويحمله علي منكبية فرحاً . حقاً ما أجمل قول الوحي الألهي عن الرب كراع :

" أنا أرعي غنمي وأربضها – يقول السيد الرب – وأطلب الضال ، واسترد المطرود ، وأجبر الكسير ، وأعصب الجريح ..."( حز 34 : 15 ، 16 ) . هو الذي يطلب ويسترد ، وهو الذي يجبر و يعصب . العمل ، وليس عملنا نحن ... أليس هذا أمراً يبعث الرجاء في النفس ؟

وفي مثال الدرهم المفقود ، نري نفس الوضع ، وبأسلوب أعمق :
الدرهم لا يملك حياة ، ولا عقلاً ولا فكراً ولا إرادة ... ولا يدري إلي إين هم قد تدحرج ، وأين استقر به الأمر . وإيضاً لا يعرف كيف يرجع إلي كيس صاحبه أ جيبه ...وقد كان الدرهم المفقود رمزاً إلي كثيرين من نوعه ..

كان رمزاً لكثيرين ممن لا حياة لهم ولا إرادة ... وكان رمزاً أيضاً للضآلة ... فلو أن الأرملة كانت فقدت مائه جنيهاً ذهباً ، لكان من المعقول أن تبحث عنها وتفتش أما مجرد درهم واحد ينال منها كل ذلك الاهتمام ، فهو أمر يدعو إلي التأمل ، ويضع أمامنا عمقاً في الرجاء وهو
إن الله يبحث عن خلاصك ، مهما بدا قدرك ضئيلاً ! لقد ضرب الله لنا مثل الدرهم لنعرف قيمة النفس عنده .

لأنه قد يسأل بعضهم ما قيمة هذا الدرهم الضئيل ، حتي يصير هذا البحث الجاد عنه ، وهذا الفرح وهذه الوليمة عند العثور عليه ؟! . إن كل هذا رمز لاهتمام الرب بالنفس الواحده ، مهما كانت تبدو ضئيلة الشأن . ويعبر المثل عن سعي الله لخلاصنا حتي لو لم نسع نحن ، وفرحة بخلاصنا وفرح الملائكة أيضاً . ألست أنت عند الله أفضل من درهم واحد مفقود ؟!

ثق أن نفسك ثمينة في نظرة الله إليها ، مهما كانت تبدو ضئيلة في نظر الناس ، او في نظرك أنت ... مثل المرأة السامرية التي سعي الرب لخلاصها ، وهي محتقرة في نظر الناس ... ومثل زكا العشار الذي ذهب الرب إلي بيته ، وهو في نظر الكل رجل خاطئ لا يستحق ( لو 19 : 7 ) .

حقاً أن الرب يسعي لخلاصنا ، ويفرح بذلك جداً ...
كما أخذ الخروف الضال ، "وحمله علي منكبيه فرحاً "( لو 15 : 5 ) ، وكما قال إنه " يكون فرح في السماء بخاطئ وحد يتوب "( لو 15 : 7 ) ، وكما فرح برجوع الابن الضال ، وذبح له العجل المسمن ، وكما فرح بالعثور علي الدرهم المفقود ( لو 15 : 23 ، 9 ) . إنه يسعي لخلاصنا أكثر مما نفتش نحن عن ابديتنا . وما أجمل ما قاله الرسول عنه إنه :

يريد أن الجميع يخلصون ، وإلي معرفة الحق يقبلون "( 1 تي 2: 4 ).
وقيل عنه أيضاً إنه لا يشاء موت الخاطئ ، بل أن يرجع ويحيا ( حز 18 : 23 ) . ونقول عنه في آخر كل صلاة من صلوات الأجبية : " الداعي الكل إلي الخلاص من أجل الموعد بالخيرات المنتظرة "...
إن عمل الله ليس فقط أن يفرح بتسبيح السارافيم ، أو بنقاوة الملائكة ن أو بكرازة الرعاه ، أو بجهاد القديسين ، إنما هو يفرح بخاطئ واحد يتوب أكثر من تسعة وتسعين باراً لا يحتاجون إلي توبة ( لو 15 : 7 ) . بخاطئ واحد يتوب أكثر من تسعة وتسعين باراً لا يحتاجون إلي توبة ( لو 15 : 7 ) .

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق