مرحباً بكم في مدونة نيافة الحبر الجليل الأنبا مرقس أسقف شبرا الخيمة وتوابعها وهى تشمل عظاته ومحاضراته التي يلقيها على طلبة الكلية الإكليريكية وصوره وأعماله في الإيبارشية وموضوعات أخرى

الأحد، 20 مارس 2011

الشيطان يغير خططة


إن الشيطان لا يصر على خط معين فى محاربته للإنسان 0 إنما ما أسهل أن أن يغير خطه وخططه ، إن كان ذلك يوصله إلى سقاط من يريد 0
وسنضرب لذلك بعض أمثلة :
1-شاب كان يحاربه الشيطان بالزنا حرباً عنيفة ويتعبه فيها ويسقطه أحيانا 0 فبدأ هذا الشاب فى حياة توبة ، واصبح يحترس من هذه الخطية بالذات إحتراساً شديداً : يبعد عن كل أسبابها 0 ويسد كل الأبواب التى تأتى منها الخطية ، سواء كانت من القراءات أو السماعات أو اللقاءات 0 وفى نفس الوقت يقوى نفسه من الداخل بكل الوسائط الروحية ، ويصلى إلى الله بدموع لكى ينقذه 0

فماذ يفعل الشيطان إزاء هذا الحرص الشديد من خطية الزنا ؟
يقول : أتركه الآن ، لا أحاربه بهذه الخطية فترة طويلة ، حتى يظن أنه انتصر عليها تماماً ، فلا يحترس من جهتها 0 و لنحارب حالياً بخطية أخرى 00 ويتركه سنة أو إثنتين أو ثلاثاً ، بلا حروب في هذه الخطية ، بلا عثرات ، بلا أفكار . ويلقيه مثلاً في خطية كالكبرياء ... يري المسكين أنه نجا من الزنا ، فيفرح . ويغريه الشيطان بمستوي عال في الصوم ، في القراءة ، ثم في الخدمة ، وفيما هو مستريح الفكر من الخطئة ، ومستريح في منهجة الروحي ، يدعوه الشيطان إلى تطبيق هذا المستوي على غيره . ويريه أنهم مقصرون ، وأنه فاقهم بمراحل ، فيوقعه في الكبرياء . ويدعوه إلى توبيخهم وتبكتهم وإدانتهم :

أبوك لا يصلي . أمك لا تصوم . إخوتك لا يتناولون . أسرتك لا تقرأ الكتاب . إذهب ووبخهم ، وبشدة ... ويمتد نطاق التوبيخ واحتقار الآخرين ، وشتيمة واحتقار هؤلاء وأولئك ، لأنهم بعيدون عن الله ، مع تعالي القلب بما وصل إليه . وفيما هو يحاول أن يخلع الزوان ، يصير هو نفسه زوناً . إذ أصبح باسم الحق يشتم ، ويحتد ، ويدين ويحتقر ، ويتعالي على غيره ، ويسبح في الغرور والكبرياء ، يقول كالفريسي " أشكرك يارب إني لست مثل سائر الناس ... " ( لو18 : 11 ) . وتسأل الشيطان عن خطية الزنا التي أراح منها هذا الشاب ؟

فيجيب : الذي يهلك بالكبرياء ، كالذي يهلك بالزنا . كلاهما هالك .
أليس أن الذي يموت بالسل ، كالذي بالسرطان ، كالذي في عميلة جراحية ؟ كله موت ... والنهاية واحدة ... " تعددت الأسباب ، والموت واحد " ... أما حرب الزنا التي يظن هذا الشاب أنه قد نجا منها ، ففي الحقيقية أن لها يوماً تعود فيه إليه ، حينما يقل يفيق منها . وتسأله كيف ؟ فيقول : في الفترة التي استراح فيها الشاب من حرب الزنا ، ظن أنها فارقته بلا عودة ، ولم يعد لها وجود في حياته ، وأنها من الخطايا التي تحارب المبتدئين فقط . ولا يعقل أن تحارب المستويات العليا التي وصل إليها ! بل إن كثيريرن أصحبوا يسترشدون به في مقاومة هذه الخطية .

وهكذا أصبح يسمع تفاصيل عن هذه الخطية ما كان يسمح لنسه أن يسمعها من قبل . وبعض أمور خافيه عن معرفته صار يقرأ لها كتباً في هذا الموضوع المعثر ، ليرد على أسئلة سائليه ، وما كان يقرأ هذه القراءات مطلقاً فى فترة حرصه واحتراسه ! وهكذا امتلأ ذهبه بأفكار صارت تترك فى نفسه مشاعر وتأثيرات ، تنمو بمرور الوقت وهو لا يدرى . إلى جوار أنه بسبب الكبرياء وإدانة الآخرين ، بدأت النعمة تتخلى عنه . وهنا أتت الساعة التى يضربه فيها الشيطان بهذه الخطية بالذات . ويسهل عليه إسقاطه . وتكون خطة الشيطان قد نجحت على الرغم من تغييرها فى الطريق ...

وهنا يقول الشيطان : إننى أرحته زمناً من هذه الخطية ، لكى لا يستعد لها . وحينما لا يستعد لها ، لا يدقق . وفى عدم تدقيقه يتساهل مع الخطية وأفكارى . وفى هذا التراجى وتساهله مع ، أضربه بالخطية التى استراح منها سنوات . فيسقط بسهولة هذا هو الشيطان ... ! قد لا يحاربك الآن بخطية معينة ، ليس محبة منه لك ، إنما لأنه لا يجهز لك فخاً من نوع آخر .

ب - مثال آخر : إنسان.
آخر ساقط فى الخطية الغضب ، وخطية الإدانة ، وخطايا السب والكلام الجارح . بدأ يستيقظ لنفسه ، ويدخل بقوة فى تداريب صمت ، ليتخلص من خطايا اللسان جملة . فماذا يفعل الشيطان ؟
يقول : لا مانع من أن نغير الخطة . وبدلاً من محاربته بخطايا اللسان والغضب ، نحاربه بخطية الغرور مثلاً ... بحيث يقتنع تماماً ، أنه لا يوجد إنسان أفضل منه . وكيف ذلك ؟ نريحه من خطايا اللسان تماماً ، فلا نحاربه بها الآن مطلقاً . وننصحه بشئ من النمو الفجائى فى العمل الروحى ، بلون من المغالاة ، ولا نحاربه فى ذلك .ويظن أن لا يوجد مثله ، فيسلك في الغرور . وربما يختلف مع أب اعترافه الذي لا يوافقه على تطرفه وغروره ، فلا يأبه . ويصبح في وضع لا يخضع فيه لأحد ، لا يطيع أحداً ، ولا يستشير أحداً ، ولا يحترم أحداً .

والغرور يسقطه ويهلكه ، بدون السقوط في خطايا اللسان . ومع ذلك فالغرور سيجعله يصطدم بالآخرين . ولابد سيقع في خطايا اللسان ، حتى بدون شيطان ! فكم بالأولي إذا حاربه الشيطان بها ... إن الشيطان التي تناسبه . إنه يعرف متي يحارب ، وكيف يحارب ، وبأي نوع .. ؟
والذي لا يسقط بهذه الطريقة يسقط بغيرها . والذي لا يسقط في هذه الخطية الآن ، مصيره أن يسقط فيها هي بذاتها ، فيما بعد ، والفخاخ كثيرة ، موجودة ومنصوبة .

ج - مثال ثالث في كيف يغير الشيطان خططه :
- بدأ الصوم الكبير . وكان الشيطان في العام الماضي يقاتل عن الأطعمة الحيوانية ؟! صم بالأحرى عن الخطية ، وحارب الحيوان الذي في داخلك .. لأنه ما فائدة الصوم بدون طهارة ونقاوة ؟! ألا يكون صومك غير مقبول ؟! فأجاب الشاب : بل أنا أنفذ قول الكتاب " إفعلوا هذه ، ولا تتركوا تلك " ( متى23 : 23 ) . فأحاول أن أصوم الصومين معاً . أصوم جسدي عن الطعام ، وأصوم نفسي عن شهوة الخطية " أقمع جسدي وأستعبده " ( 1كو9 : 27 ) بمنعه عن الأطعمة بمنعه عن الأطعمة الشهية ، أتعود بذلك قهر النفس فلا تخطئ .

•قال الشيطان : ولكنك ضعيف ، وصحتك لا تحتمل الصوم . ولابد تحتاج إلى البروتين الحيواني لتعيش ، وبخاصته وأنت في فترة نمو فأجابة الشاب بقول الرب " ليس بالخبز وحده يحيا الإنسان " ( متى4 :4 ) . وتذكر أن آدم وحواء كانا يعيشان على الثمار والبقول ، ثم عشب الأرض ( تك1 : 29 ، 3 : 18 ) . ولم يقل الكتاب إنهما مرضا لنقص البروتين الحيواني ! ...

• قال الشيطان : لا مانع إذن من أن تصوم . ولكن لا داعي لأن تصوم الصوم كله من أوله ، فهذا كثير . وأيضاً لا تضغط على نفسك في الصوم ، لئلا يحاربك الشيطان بالمجد الباطل ! وأنت تعرف حروب الشياطين ، وخطورة ضربات اليمين . أجاب الشاب : لا أريد أن أتهاون . فالرب يدعونا إلى الكمال ( متى5 : 48 ) . ومهما صمت ، ماذا يكون صومي إذا قورن بأصوام القديسين ؟! إنه لا شئ ... وصام الشاب . وحل الصوم هذا العام ، والشاب في تصميمه .

الأحد، 6 مارس 2011

الحب الإلهي



هل أستطيع أن أتحدث عن الله أو أصف حبه؟! لابد أولاً أن أُطهر شفتي بالنار المقدسة، وأزيح عن قلمي تلك الغبار الملوثة، وأشد أوتار قلبي الذهبية وخيوط أفكاري الفضية॥ لكي تُعطيني القواميس الإلهية كلمات روحية أصف بها حب ربي! وإلاَّ كيف أصف شعلة روحانية تنبثق من قدس الأقداس لتسقط على الأبرار والأشرار كلاهما معاً؟! أو نهـراً بلورياً يسير مترنماً حاملاً في أعماقه أسرار السماء والأرض؟!

من يستطيع أن يصف شمس البر وهو يختفي في صدر الحياة المظلمة؟! أو زهرة السماء وهو يُسحق تحت أقدام الخطاة؟! أو شجرة الحياة وهو يٌقطع من أرض الأموات؟! تُرى من يستطيع أن يصف وجهاً يُعلن في كل دقيقة سراً من أسرار الله، هل يكفى أن نقول إنه أبرع جمالاً من بني البشر!

إن جمال يسوع كان غريباً كحلم لا يفسر أو فكر سماوي لا يُعبر عنه! جمال يسوع لم يكن في شعره المسترسل الذهبي بل في هالة الطهر المحيطة به، ولم يكن في عينيه الواسعتين الممتلئتين بحلاوة الحياة بل في النور المنبعث منهما، ولا في شفتيه الورديتين بل في الكلام العذب الخارج منهما، فيتساقط على قلوب الناس مثلما تتساقط قطرات الندى على تيجان الزهور।

أمام عظـم محبته يترك الفلاسفة كهوفهم المظلمة، والشعراء أوديتهم الخيالية، ويقفون جميعهم على جبلٍ عالٍ، صامتين مصغيين إلى صوت الحب يقول لقاتليه: يا أبتاه أغفر لهم!! فأي إنسان لم يرتشف من كأس حبه في إحدى كاساته؟ أي زهرة لم يسكب الصباح قطـرة من الندى بين أوراقها؟

لقد أحبنا، وبوشاح حبه الطاهر غمرنا، وقد ترك شعلته السمائية تتقد في صدورنا، لتلتهم ميولنا وعواطفنا الأرضية، ولؤلؤته الفريدة في قلوبنا، لتسطع بين انفعالاتنا المظلمة فتبددها॥ ألم تشعر مرة بملامس أيدي حريرية طاهرة، تقبض على روحك في وحدتـك فتمنيت ألا تتحرر من أسرها؟! ألم تتساءل مرة عن سر الأجنحة الروحائية التى رفرفت ولو مرة حول مضجعك، فنمت فرحاً والنور يملأ زوايا غرفتك، وخيالات يسوع تملأ قلبك؟!

وأخيراً مات البار ولف شبابه بالأكفان حباً فيك، وبصمت ينام في قلب الأرض الصامتة لينهض بالروح، ويخرج بجيوشه من الأرض التي تولد فيها الشمس إلى الأرض التي تُقتل فيها الشمس، لأنه سيكون لنا شمس وقمر ونجوم.. فاملأ قلبك بحب من أحبك لتصعد إلى السماء فتُُمسح مسحة روحية ثم يعود إلى الأرض، لا لتحيا كإنسان وإنَّما كملاك يرتدى زى إنسان!